التيسير (من بائع البيض الى اكبر مقاول) قصة نجاح عمر نص بلاصة

التيسير (من بائع البيض الى اكبر مقاول) قصة نجاح عمر نص بلاصة

قصة نجاح عمر التيسير
قصة نجاح عمر التيسير

دائما ما نسمع بقصص نجاح اشخاص حققو ثروات مهولة وبدؤو من الصفر وفي الغالب نسمع عن اشخاص من دول اجنبية متقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأخرى، واذا سمعنا عن قصص نجاح اشخاص عرب فغالبا ماتكون من دول الخليج او دول عربية ذات تدخل فردي كبيرة.


لكننا في هذا المقال سنغض النظر على كل قصص الأشخاص الناجحين المثيرة ولن نتحدث عن قصة نجاح ايلون ماسك او قصة نجاح بيل جيتس او حتى قصة نجاح عمر عامر بل سنتحدث عن قصة نجاح مغربي بدأ حياته من الصفر من بائع بيض الى أكبر مقاول في المغرب وصاحب مشاريع ضخمة جدا.


قصتنا اليوم عن عمر التيسير والملقب بنص بلاصة.

قصة عمر التيسير من بائع البيض الى اكبر مقاول وصاحب مشاريع مربحة كبرى


في المغرب وفي فترة نشط فيها اليهود ونشطت التجارة المغربية اليهودية، نشأ عمر التيسير، وفي هذه الفترة كان الأمازيغ يتعايشون بسلام مع اليهود وكانو يتبادلون المعارف ويستفيد كل واحد من الأخر، وبدأ الأمازيغ في التعلم من اليهود اساسيات بناء الثروة وبدء المشاريع المربحة.

وعلى مقربة من منطقة سوس والتي كان تشتهر انذاك بأنها مركز تجاري نشط، وفي أحد دواوير تمنار، عاصمة الأركان ولد الشاب الذي غير مجرى حياة الكثير والذي قام ببناء العديد من الطرق والبنيات التحتية في المغرب، عمر التيسير والملقب بنص بلاصة.


فما قصة هذا الرجل؟ ومن هو؟ وكيف نشئ؟ وأين نشئ؟ وما قصة نجاحه؟ وهل حقا هو مثال يحتذى به؟ ولماذا لقب بنص بلاصة؟ وما قصته مع الملك الراحل الحسن الثاني  و  الملك محمد الخامس؟

قصة عمر التيسير


ان نجاح اي شخص كان مربوط بين عاملين الحصول على صفقات ذات الربح والدفع الكبير وابرام علاقات مع شخصيات كبيرة في المجتمع، أو كما قال رجل الأعمال المغربي كريم التازي، «الفئات الثرية تمت مساعدتها من طرف النظام لكي تكبر وتنمي ثروتها».

لكن عمر التيسير شكل الفرق وشكل الاستثناء وذلك لأنه لم يكن مدعوما لا بجهة اقتصادية ولاسياسية واجتماعية، فمجتمع عمر التيسير لم يكن يدعمه ايضا، لكنه حقق نجاحات منقطعة النظير.

لقد قيل عنه الكثير “نص بلاصة” “مجرد بائع بيض” ونسج الكثير حكايات واساطير عن هذا الرجل الذي جعل الجميع في ريبة من أمرهم، كيف لشخص عادي وفقير ان ينتقل من بائع بيض الى واحد من بين اشهر واكبر المقاولين في المغرب، لقد حطم القيود وكسر الحدود، فلنتعرف اذن على من هو عمر التيسير.

من هو عمر التيسير


عمر التيسير هو رجل اعمال مغربي بدأ حياته من الصفر وانطلق نحو العالمية ونحو تحقيق نجاح مالي كبير، استطاع عمر ان ينتقل من بائع بيض في احد مناطق المغرب الفقيرة الى واحد من بين اكبر رجال الاعمال في المغرب.

خلال ثلاثينيات القرن الماضي، ولد عمر التيسير وذلك بأحد دواوير تمنار، واجه الصبي الذي لم يبلغ الـ 12 سنة بعد قسوة الحياة وقسوة العمل والطبيعة أيضا، وتسلح بأقوى سلاح سلاح التحدي، وقرر ان يقفز فوق كل الحواجز سواءا البشرية او الطبيعية، لينشئ لنفسه شخصية ملقحة ضد كل انواع الإحباط.

قصة كفاح ونجاح عمر التيسير

عمر التيسير شمر عن ذراعه في سن 12 سنة وواجه قسوة الحياة ليعمل ويشتغل بدون ملل او كلل، ودخل عالم البيزنيس من اوسع ابوابه وفي سن صغير جدا، حيث اتى بفكرة مبتكرة وحصرية لأول مشروع مربح في حياته، حيث اتته فكرة مشروع بدون رأس مال حقق بعدها ارباحا مهولة.


فلقد وجد ان نساء الدوار او القرية التي يعيش فيها يقومون اسبوعيا بالذهاب للسوق وبيع البيض لكنهن كن يوجهون عدة مشاكل من بينها الحياء من رجال السوق وصعوبة الحصول على سعر وصفقات جيدة لبيع البيض، فأتى عمر بفكرة جيد وجديدة باعفاء نساء القبيلة من كل هذا والتكفل لهن بأخذ البيض وبيعه في السوق مقابل نسبة معينة كنوع من تعويض لأتعابه.

حيث كان يقوم بشراء البيض من نساء القبيل لكنه لايدفع لهم الا بعد ان يبيعه وكان النساء يضعن ثقته به حيث كان طفلا عملته “الكلمة” فأسس علاقة ثقة مع نساء البلدة.

وكان هذا اول مشروع مربح لعمر التيسير، المشروع الذي كان بمثابة الشعلة التي اوقدت لهيب نجاحات سطعت بسطوع عصر مغرب مابعد الاستعمار.

لماذا  لقب عمر التيسير بنص بلاصة 


عمر بدأ في الحصول على صفقات بيع جيدة وبدأ في دفع الارباح والاموال المستحقة لنساء القبيلة، فبدأت النساء تثق فيه وتأتمنه على البيض، وبدأ عمر في بناء علاقات جيدة مع النساء ومع بائعي البيض بالجملة.

وبدأ في ابرام علاقات مع نساء دواوير اخرين وجمع البيض من قرى مختلفة، الشيء الذي جعله ينتقل من دوار الى اخر ويقطع مسافات كبيرة مشيا على الأقدام، وفي بعض الأحيان تكون  المسافات طويلة فيطر الى ركوب الحافلة او الكار وبفضل صغر سنه كان يدفع نصف السعر، مما جعل المسافرين وسائقي الحفلات يلقبونه مع الوقت بنص بلاصة.

مشروع مربح غير حياة عمر التيسير


وفي احدى المرات عرض عليه ان يشتغل كموظف في احد الشركات الفرنسية فرفض الأمر وفي نفسه كان يقول”يوما ما سأمتلك هذه الشركة او افضل منها، يوما ما”، بعد مدة طويلة سمع بان هذه الشركة تحتاج الى احجار مكسرة من اجل استخدامها في اشغال البناء.

قدرت الظروف أن يقوم بإنشاء شركته الصغيرة واقتناء معدات بسيطة وشاحنة، وقرر العمل في بعض المشاريع الصغيرة، وعندما ضرب الزلزال مدينة أكادير، استخدم شاحنته وجرافته لنقل الأنقاض جنبا إلى جانب الجيش الملكي.

ثم بدأ في إعادة بناء المدينة، مما أتاح له تحقيق أرباح ضخمة والحصول على استقبال ملكي كبير من محمد الخامس رحمه الله.

عمر التيسير مبتكر فكرة الاقتصاد التضامني


حيث قام بجمع شباب الدوار الذي كان يقطن به وشرح لهم المشروع وطلب من كل واحد منهم شراء مطارق كبيرة من اجل مباشرة العمل في اليوم التالي، وسيقوم عمر بشراء الاحجار من كل شخص قام بكسرها جيدا في نهاية اليوم.

وحين يجمع كمية جيدة من الاحجار المكسرة يقوم ببيعها لشركة الفرنسية التي تحتاج الى الاحجار، من اجل بناء الطرق وتعبيدها، ولقد كانت فكرة ذكية ومبدعة لذرجة انها لم تكن تقاوم، فاقتنع اغلب شباب القرية وباشرو العمل بجد ونشاط ليجنون ارباحا جيدة.

لمس أحد المهندسين الفرنسيين حقيقة الشاب عمر وقدراته، واقترح توظيفه في الشركة المسؤولة عن بناء الطرق في المغرب، ومع ذلك، كان عمر يفضل العمل بشكل مستقل ولا يحب العمل كموظف، وكان يستغني عن توجيهات القائمين على العمل، خاصة في ظل التوتر السياسي بين الوطنيين والفرنسيين.

معظم شباب منطقة حاحا يفضلون الهجرة إلى الدار البيضاء للعمل في مجال التجارة والتقسيط، تماما كأبناء منطقة سوس.

ومع ذلك، كان عمر يميل إلى الاقتصاد التضامني البسيط، حيث يمكن لأبناء المنطقة كسب المال من خلال العمل الذاتي، وهو ما يشير إلى مفهوم “العطش” في سوق العمل، حيث يتم تحديد الأجر وفقا للجهد المبذول وليس الوقت المستغرق في العمل.

زلزال أكادير المأسات التي غيرت حيات عمر التيسير


بعد مدة معينة قام عمر بشراء معداته الخاصة وشاحنة صغيرة لنقل الصخور، وذلك من اجل العمل مع بعض الشركات الفرنسية، وفي شهر رمضان من سنة 1960 استيقظ المغرب على خبر دمار مدينة أكادير بعد ان ضرب زلزال هو الأقوى من نوعه، بلغت قوته 6.7 على سلم ريشتر.

تحولت المدينة في غضون ثوان قليلة إلى مدينة منكوبة، وكان عمر يقف في وسط العديد من المواطنين وينصد لخطاب الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله فسمع من الملك جملة حركت عواطفه وهي الجملة المشهورة: «لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بناءها موكول إلى إرادتنا».

استوعب عمر الجملة جيدا، وبدأ في الاشتغال جنبا الى جنب مع الجيش الملكي، من اجل المساعدة في حمل الأنقاض والبحث عن المفقودين جراء الزلزال، ونقل المساعدات الانسانية، ولم يتوقف عن هذا بل قام بالمساعدة في بناء مدينة اكادير الجديدة على بعد 3 كيلومتر جنوبا من الموقع الأصلي لأكادير.

انطلق عمر بجد ونشاط من اجل اعمار مدينة أكادير من جديد، ولقد لاقت مجهوداته استحسانا لدى الكثيرين ومن بينهم الملك محمد الخامس وابنه الحسن الثاني، ومنذ ذلك الحين ارتفعت اسهم عمر الذي اشترى فيما بعد اسهم الشركة الفرنسية التي رغبت ان توظفه عندها.

واستغل الرجل الفرصة وتوسع في مجالات أخرى، معظمها تتعلق بـ “مكاتب” تابعة للحكومة، مثل مكتب الفوسفاط الشريف ومكتب الماء الصالح للشرب الوطني ومكتب السكك الحديدية الوطني ومكتب الكهرباء الوطني، وغيرها من المؤسسات.

مقاولة عمر التيسير تقوم بانجاز أول طريق سيار


عمر التيسير صار معروفا بالمشاريع مربحة، وقبل ان تفوز مقاولته بانجاز مشروع بناء الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء والرباط، فقد نال اعجاب الملك الراحل الحسن الثاني، بعد أن قام ببناء الطريق الرابط بين مراكش وأكادير عبر أمسكرود، وذلك في وسط جبال الأطلس الكبير، الشيء الذي ساعد في فك العزلة على كثير من المناطق التي عانت من ضعف البنيات الطرقية.

نهاية اسطورة عمر التيسير

في وسط المشروع الذي أنجز نصفه الأول الرابط بين الدار البيضاء وبوزنيقة، توقفت الأشغال، فلم يكتب لعمر ان يرى المشروع الذي لطالما حلم به يتحقق، للأسف توفي عمر التيسير في 26 ماي 1979، وتوفي معه حلم المشروع العظيم.

مات عمر قبل أن يتحقق حلم ربط العاصمتين الإدارية والاقتصادية بطريق سريع، لكن قرر أبناءه استكمال الطريق فيما بعد، قبل أن تقف حواجز كثيرة في طريقهم دون تحقيق واحدة من اماني عمر التي انتهت بموته.

أساطير حول أشهر مقاول مغربي

لقد رويت الكثير من الأساطير عن عمر التيسير ونسجت الكثير من الحكايات حوله، فقد مجد من طرف المغاربة وصار رمز قوة ورمز كفاح وقتال ونجاح، روت الجدات عدة حكايات اسطورية متعلقة بعمر ونسج الحكماء اقوالا مؤثورة عنه.

لدرجة ان المغاربة صارو يتداولة جملة قوية تقول”تاشكون نتا هو نص بلاصة” أي بمعنى من انت او من تكون انت حتى هل انت عمر التيسير الملقب بنص بلاصة؟ وذلك كناية على اصحاب الجاه.

لقد قيل ان عمر اشترى مقهى كاملا وذلك بعد ان تجادل مع احد الندلاء وصراحة هي مجرد روايات واقوال ولسنا متأكدين من صحتها خصوصا وان عمر ليس من النوع الذي يحب التفاخر والتعالي حتى يشتري مقهى كاملا بسبب جدال.

لكن من بين الروايات الصحيحة والتي تبث صحتها هي عندما قابل الملك الراحل الحسن الثاني فوجه له سؤالا مشهورا وغريبا”ماذا كان سيصبح عمر لو تعلم وتابع دراسته بدل دخول عالم المقاولات مبكرا؟”.

فكانت اجابة عمر هي سأكون ساعي بريد او موظف عادي، فربت الملك على كتف عمر وقيل انها اول مرة ينحني فيها الملك لتحية مواطن.

طرق وسدود وملاعب ومساجد

بعد ان اعجب الملك الراحل الحسن الثاني بشهامة وجدية عمر، قام بتعينه للعمل في بناء مجموعة من البنايات والتكلف بمجموعة من المشاريع سواءا في المغرب او خارجه خصوصا في إفريقيا ، حيث قام ببناء مسجدها الكبير في كوناكري عاصمة غينيا، وأيضا في داكار تحت أيدي مهندسين وعمال مغاربة، وقام ببناء منارة شاهقة ومركزا ثقافيا ومدرسة لتعليم أصول الدين واللغة العربية. 

كلف الحسن الثاني شركة عمر ببناء مسجد بريبرفيل عاصمة الجابون، والذي يغطي مساحة 3500 متر مربع ويتسع لـ 5000 مصلي.

تم بناء المبنى على الطراز المغربي التقليدي، وجلب مئات الحرفيين المغاربة، استمر العمل من 1978 إلى 1983، وكان محكوم على عمر بعدم حضور حفل التنصيب في عاصمة الجابون ، حيث انتقل إلى عفو الله بعد سنة من انطلاق الأشغال.

السياسة الحقيقية تصنعها الجرافات

كان عمر غير مهتم بالسياسة ورفض مرارا الانخراط في السياسة، ورفض الترشح للانتخابات التشريعية، وحمل بطاقات من أي حزب، ومع ذلك فهو حريص على دعم رموز الحركات الوطنية من بعيد، كانت سياسة عمر، سياسة بناء منازل خرجت لتوها من أنفاق العزل والحماية.

يقال إن الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أراد من الأمازيغ الأثرياء اقتحام السياسة، نصح الأثرياء سوسي إدريس وموهير بإنشاء حزب سياسي، فأجاب:«نحن لا نفقه في السياسة، لكننا نملك أهم شيء وهو الجدية في إنجاز العمل أغراس أغراس»

تابع التيسير العملية السياسية عن بعد ولم يفكر يوما في الدخول الى هذا العالم الذي كان يؤمن بانه مجرد مشاكل بدون جدوى.

وفاة مفاجئة تنهي حياة عمر ومشاريعه

في أواخر شهر أبريل من سنة 1979، عمر التيسير تعرض لحادث وذلك بعد ان إلتوت قدمه وهوى من اعلى السلم ورتطم رأسه بالدرح، قبل ان يدخل بعدها في غيبوبة  نقل على وجه السرعة إلى إحدى مصحات الدار البيضاء.

للأسف حالته الصحية لم تتحسن بل ازدادت سوءا ودخل في غيبوبة دامت لأكثر من عشرين يوما قبل ان يتوفى مباشرة في 26 ماي 1979، لتنهي أسطورة عمر التيسير الذي كان له الفضل في بناء مدينة اكادير وبناء مغرب ما بعد الاستقلال.

تفي عمر وترك ورثته لأبنائه وعشرين مشروع قيد الانجاز، فاستمر ابنائه على نفس النهج، وحققو هم ايضا نجاحات كبيرة، لكنها لا ولن تصل الى نجاحات عمر الذي كافح من بائع بيض الى استقباله من طرف الحسن الثاني وإعجاب محمد الخامس به وبناء مغرب مابعد الاستعمار.

عمر التيسير ايقونة في عالم المال والاعمال والنجاح ومهما حدث وطال الزمن سيضل هذا الاسم يتكرر في مقالات وكتب ورويات وستضل الجدات تحكي رويات وقصص عن هذه الأسطور الخالدة في الأذهان، سيضل اليوتيوبرز يتحدثون عن هذه الشخصية ولن تنسى ابدا، وسنضل نسير على طرق تم بنائها من طرف الاسطورة عمر التيسير.

اقرا ايضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى